ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالمساجد :
1- الحث على بناء المساجد وعمارتها :
فقد حثنا الإسلام الحنيف على بناء المساجد , وجعل ذلك سبيلاً إلى الجنة وإلى الفوز بمرضاة الله تعالى , فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ بَنَى ِللهِ مَسْجِدًا ، مِنْ مَالِهِ ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.أخرجه ابن ماجة (737) الألباني :صحيح ، ابن ماجة ( 736 ).
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ:مَنْ بَنَى ِللهِ مَسْجِدًا ، صَغِيرًا كَانَ ، أَوْ كَبِيرًا ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.أخرجه التِّرْمِذِي (319) صحيح الترغيب والترهيب 1/66.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا في الْجَنَّةِ.أخرجه أحمد 1/241(2157) صحيح الترغيب والترهيب 1/66.
قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ: \”يدل على أن الأجر المذكور يحصل ببناء المسجد لا بجعل الأرض مسجداً من غير بناء، وأنه لا يكفي في ذلك تحويطه من غير حصول مسمى البناء، والتنكير في مسجد للشيوع؛ فيدخل فيه الكبير والصغير\” .نيل الأوطار 2/156.
وكما حثنا الإسلام على بناء المساجد فقد حثنا كذلك على عمارتها , وجعل ذلك علامة من علامات الإيمان , قال تعالى : \” إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) سورة التوبة .
وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :\” إن الله ينادى يوم القيامة أين جيراني أين جيراني فتقول الملائكة ربنا من ينبغي له أن يجاورك فيقول أين عُمَّارُ المساجد \”. أخرجه الحارث في بغية الباحث (1/251 ، رقم 126) الألباني في \” السلسلة الصحيحة \” 6 / 512.
وليس عمارة المساجد ببنائها وتشيدها فقط , بل تكون العمارة بالصلاة فيها , وجعلها واحة للآمنين وملجأ للخائفين , وإصلاحاً للمتخاصمين , وتعليماً للمتعلمين .
لا يُصنع الأبطال إلا *** في مساجدنا الفساح
في روضة القرآن في *** ظل الأحاديث الصحاح
شعب بغير عقيدة *** ورق يذريه الرياح
من خان حي على الصلاة * * * يخون حي على الكفاح
2- الحث على الذهاب إلى المساجد والصلاة فيها :
ثواب الذهاب إلى المسجد للصلاة ثواب كبير وفضل عميم ,عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :\”من توضأ فأحسنَ الوُضوءَ ، ثم خرج عامدا إلى الصلاة ، فإنه في صلاة ما كان يَعْمِد إلى صلاة ، وإنه يُكتَب له بإحدى خُطوتيه حسنة، ويُمْحَى عنه بالأخرى سيئة ، فإذا سمع أحدُكم الإقامة فلا يَسْعَ ، فإن أعظمَكم أجرا أبعدُكم دارا ، قالوا : لِمَ يا أبا هريرة ؟ قال : من أجل كثرة الخُطَا\”.الموطأ 1/33 صحيح الترغيب والترهيب 1/73.
عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\”مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، إِلا كَانَ زَائِرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ\”. رواه الطبراني ( 3 / 73 / 1 )الألباني في \” السلسلة الصحيحة \” 3 / 157.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا وَرَاحَ.)\”.أخرجه أحمد 2/508(10616) والبُخاري (662) و((مسلم)) 1469.
وعَنْ بُرَيْدَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , قَالَ:بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ ، إِلَى الْمَسَاجِدِ ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَة.أخرجه أبو داود (561) والتِّرْمِذِيّ\” 223.
عَنْ أَبِي رَزِينٍ ، عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، قَالَ:جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كُنْتُ ضَرِيرًا ، شَاسِعَ الدَّارِ ، وَلِي قَائِدٌ لاَ يُلاَئِمُنِي ، فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟ قَالَ : أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً. أخرجه أحمد 3/423(15571) و\”أبو داود\”552 و\”ابن ماجة\”792 و\”ابن خزيمة\”1480 الألباني ، صحيح أبي داود ( 561 و 562).
بل إن انتظار الصلاة يعد جهاداً في سبيل الله تعالى , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ.)\”.أخرجه أحمد 2/235(7208) و((مسلم)) 1/151(508).
الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة له أجر الصلاة, عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرًا : هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : الرَّجُلُ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ ؟ قَالَ:انْتَظَرْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً لِصَلاَةِ الْعَتَمَةِ ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْنَا ، حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ ، أَوْ بَلَغَ ذَلِكَ ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَصَلَّيْنَا ، ثُمَّ قَالَ : اجْلِسُوا ، فَخَطَبَنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ.أخرجه أحمد 3/347(14802) الألباني في \” السلسلة الصحيحة \” 5 / 483 .
وحينما تنقطع صلة الإنسان بهذه الحياة , ويوضع في قبره فإنه يتمنى لو عاد إلى الدنيا مرة أخرى لا ليجمع الأموال أو يحصل المناصب , بل ليصلى ركعتين فقط , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ، فَقَالَ:\”مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ؟\”فَقَالُوا: فُلانٌ، فَقَالَ:\”رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ\”. أخرجه الطبرانى في الأوسط (1/282 ، رقم 920) . قال الهيثمى (2/249) : رجاله ثقات الألباني : صحيح الترغيب والترهيب 1/93.
قال الشاعر:
خسر الذي ترك الصلاة وخابا * * * وأبى معاداً صالحا ومآبا
إن كان يجحدها فحسبك أنه * * * أضحى بربك كافراً مرتابا
أو كان يتركها لنوع تكاسل غطى * * * على وجه الصواب حجابا
بل إن المكان الذي كان يسجد فيه المسلم لربه تعالى ليبكي عليه بعد موته , فالمسجد يبكي على من تعلق قلبه به ,عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. أخرجه أحمد 2/439(9663) و\”البُخاري\” 1/168(660) و\”مسلم\” 3/93.
خرج عمر يوما إلى حائط له فرجع وقد صلى الناس العصر فقال عمر : إنا لله وإنا إليه راجعون فاتتني صلاة العصر في الجماعة أشهدكم أن حائطي على المساكين صدقة ليكون كفارة لما صنع عمر.مسند الفاروق , لابن كثير 1/140.
وذُكر عن التابعي الجليل سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى أنه ما فاتته تكبيرة الإحرام نحو أربعين عاما، لأنه ما كان يصلي في المسجد النبوي إلا في الصف الأول، وقال وكيع رحمه الله تعالى: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى واختلفنا إليه قريبا من سبعين فما رأيته يقضي ركعة . صفة الصفوة لابن الجوزي (2/69).
وكان الربيع بن خيثم قد سقط شقه في الفالج فكان يخرج إلى الصلاة يتوكأ على رجلين فيقال له: يا أبا محمد قد رخص لك أن تصلي في بيتك أنت معذور فيقول هو كما تقولون ولكن أسمع المؤذن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح فمن استطاع أن يجيبه ولو زحفاً أو حبوا فليفعل.
وقال حاتم الأصم: فاتتني مرة صلاة الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف إنسان لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا. الذهبي : الكبائر 10.